شهر العلاء ورمضان: اتحاد الروح والزمان - بقلم : نصرة بنعمار

شهر العلاء ورمضان
تحرير: نصرة بنعمار

في هذا التزامن الروحي الفريد، حيث يلتقي شهر العلاء، شهر صيام البهائيين، بشهر رمضان، تنفتح أمام أرواحنا آفاق تتجاوز حدود الزمان والمكان، كأنهما نوران يتداخلان في فضاء الروح، يدعوان الإنسان إلى رحلة أعمق نحو ذاته، نحو جوهره، نحو ذلك السرّ الذي يسكن أعماقه منذ الأزل.

شهر العلاء، في هدوئه وجماله، مقام يرتقي فيه القلب نحو مدارج الصفاء. الصيام في هذا الشهر ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو تحرر من قيود المادة نحو رحابة المعنى. الجوع هنا هو توقٌ عميق إلى الحقيقة، والعطش ليس مجرد حرمان، بل هو تعطش روحي إلى النور الأزلي. في هذا الشهر، نسمع نداءً يدفع القلوب إلى التوجه نحو الأفق الأسمى، حيث تنكشف الحُجُبات بين الإنسان والمطلق. وهو أيضًا فرصة لتطوير الصفات الروحانية، حيث يعكف الإنسان على تزكية نفسه، فتزداد قيم التواضع، ويتعزز مفهوم العبادة المقرونة بالخدمة.

ثم يأتي رمضان، شهر التجليّ والتطهير، حيث تمتزج ظلمة الليل بوهج الدعاء. يصبح الصيام فيه أكثر من مجرد انقطاع عن الطعام والشراب، فهو ارتقاء في مدارج التقوى، ولحظة من الحضور الحقيقي مع الذات ومع الخالق. في رمضان، تتلاشى المسافات بين القلب والمطلق، فتتحول ساعات الامتناع إلى لحظات من الامتلاء الروحي. يصبح الصمت لغة تتحدث بين العبد وربّه، ويصير الامتناع عن متع الجسد مفتاحًا للحرية الباطنة.

وفي تزامنهما تتلاقى الأرواح رغم تنوع مساراتها، وتصبح لدينا فرصة نادرة للتعايش والبحث عن الينبوع الواحد.

وفي تزامنهما تتلاقى الأرواح رغم تنوع مساراتها. وتصبح لدينا فرصة نادرة للتعايش وتذكير أنفسنا بأننا جميعًا نشترك في هذا البحث العميق عن النور، عن الحقيقة، عن الينبوع الذي لا ينضب، عن عصر ذهبي خال من جميع التعصبات، حيث تتحقق المساواة والعدل ووحدة الإنسانية. إنه نداء مزدوج، كأنهما مرآتان تعكسان بعضهما البعض، تهمسان للإنسان أن يعيد اكتشاف عطشه الحقيقي بسؤال يتجاوز الحواس: أي جوع هذا الذي لا يشبعه الخبز؟ وأي ظمأ هذا الذي لا يرويه الماء؟ إنه جوع الروح إلى المعنى، وظمؤها إلى اليقين، إلى النور الذي يسري في ملكوت الوجود ولا ينطفئ.

في هذا التزامن، يصبح الصيام لحظة كونية تنسج خيوط التعايش والتآلف، حيث يلتقي الصائم والمتأمل، الباحث عن المعنى والمتعطش للنور في فضاء واحد من التأمل والتجرد. لا اختلاف إلا في الطرق، أما الوجهة فهي واحدة: نحو النور، نحو الحقيقة، حيث تدوب الفوارق وتنتصر الإنسانية.

تحرير: نصرة بنعمار

تعليقات