آلام ولادة عصر جديد - بقلم : نصرة بنعمار

مخاض الإنسانية عند مفترق الوعي
![]() |
تفككت الروابط، وذابت المعايير القديمة. الأسرة لم تعد كما كانت، والعلاقات الاجتماعية باتت مشوشة، هشّة، تفتقر للدفء والثبات. التكنولوجيا التي وعدتنا بالوصال أوهمتنا بالاتصال، لكنها عمّقت العزلة. أصبح كل فرد يسير وحيدًا، حاملًا تساؤلاته وألمه، في عزلة شعورية قد لا تُرى بالعين، لكنها تُحَس في العمق.
كأننا في غرفة كونية واحدة، تتقاطع فيها الأوجاع، وتتوالى فيها الصرخات والأنفاس المتقطعة، وكأن البشرية بأسرها تتمزق وتتوسّع، استعدادًا لولادة كبرى... لشيء جديد لم يُسَمَّ بعد، لكنه آتٍ.
على سرير ولادة، يتلوّى جسد الإنسانية، يتمزق ويتوسع، في انتظار ميلاد العصر الجديد.
وهنا، يبرز السؤال: هل سنبقى متفرجين على هذه المعاناة التي تطالنا جميعًا؟ أم آن الأوان لأن نتحرك معًا، بحثًا عن مخرج مشترك؟
ليست هذه مجرد أزمة عابرة، إنها لحظة تاريخية، لحظة وعي تُنتزع من رحم الألم، وتصاغ بشجاعة السؤال. من يجرؤ على خوض اشتباكه الصادق مع الداخل قبل أن يهاجم الخارج؟ من يملك الشجاعة ليداوي ذاكرته من تشوهات التاريخ، ويتجرد من سلاح الهوية ليمشي أعزل نحو الإنسان؟
فولادة العصر الجديد لا تأتي من رحم التكرار، بل من رحم الأسئلة المؤلمة، ومن صمت طويل يسبق صرخة الإدراك. عصر لا يُبنى بالخطابات، بل بالحالمين الذين لا يحتمون بالأمل بل يصنعونه، وبالعقلاء الذين لا يخافون الجنون، وبالمؤمنين بالحياة، لا بالخلاص المؤجل.
عصر لا يليق به إلا من نجا من الغفلة، ونزع أقنعة الخوف، ووقف عاريًا في وجه الحقيقة، مستعدًا لاحتضانها كما هي، لا كما يتمنى.
ربما ما نمرّ به اليوم من ألم واضطراب ليس عبثًا، بل له معنى أعمق مما يبدو على السطح.
خلف كل هذا التوتر والتصدع، هناك حركة خفية تُعيد تشكيل وعي البشرية، وتدفعها نحو مرحلة جديدة من النضج. ما يحدث ليس مجرد فوضى، بل علامة على نهاية مرحلة تاريخية وبداية أخرى. مرحلة تحتاج من الإنسان أن يكون أكثر استعدادًا لسماع نداء جديد، نداء لا يُقال بصوت عالٍ، بل يُسمع في داخل من يبحث عن معنى مختلف، يتجاوز ما تعوّد عليه.
إنه وقت التحول. وقت نطرح فيه الأسئلة الصعبة، ونتخلى فيه عن الأجوبة الجاهزة.
هناك دعوة غير مرئية تتجه نحو كل من يشعر أن العالم كما نعرفه لم يعد كافيًا، وأن شيئًا جديدًا يُولد، ببطء ولكن بثبات.
ويبقى السؤال :
هل نملك الشجاعة لنُصغي؟ وهل نحن مستعدون فعلاً لولادة هذا العصر الجديد؟
تعليقات
إرسال تعليق